جحيم الوعي.. لماذا لم يخبرني أحد بهذا؟

ريما الملاحي
17 أبريل 2025

الوعي: نعمة لا تكتمل… إلا بثمن

من بعيد، يبدو الوعي كهدية ثمينة:
أن ترى بوضوح، أن تفهم نفسك، أن تُدرك العلاقات كما هي، دون زيف أو تزيين.
نظن أننا حين نفهم… سنرتاح.

لكن الحقيقة؟
الوعي لا يقدم الراحة دائماً، بل يقدم الواقع.
وذلك، بحد ذاته، ليس أمراً سهلاً.

تكتشف فجأة:

  • أن العلاقة التي كنت تتمسك بها كانت تؤذيك.
  • أن ما ظننته حباً كان احتياجاً.
  • أن النسخة التي عشتها عن نفسك… لم تكن إلا انعكاساً لما أراده الآخرون أن تكون.

وحين ترى… لا يمكنك التظاهر بالعمى مرة أخرى.


حين تصبح المعرفة عبئاً

الوعي لا يُشبه لحظة إلهام درامية،
بل هو أقرب إلى شرارة هادئة لا تنطفئ.

ترى، تفهم، وتتحمّل وضوحًا لا يمكنك تجميله:

  • تعرف أن العلاقة مؤذية… لكنك لا تزال بداخلها.
  • ترى الخذلان قادماً… لكنك لا تزال تنتظر.
  • تقول لنفسك: "المعرفة قوة".
    لكنها أحياناً تبدو كعبء،
    لأنك لا تملك القدرة على التغيير بنفس سرعة الإدراك.

الوعي لا يجعل الجميع أقرب

بعض الناس يحبون الحقيقة… فقط إن لم تكن عنهم.
يحبون العمق… ما دام لا يهدد استقرارهم الداخلي.

حين ترى بوضوح:

  • قد تصبح غريبًا في أماكن كنت تعرفها جيداً.
  • تتردد في الفرح لأنك تشعر بما لم يُقال.
  • تصمت لأنك ترى ما لا يريد أحد رؤيته.

قد تكون بينهم، لكنك لست معهم تماماً.
وقد تبتسم، لكنك لا تشاركهم الشعور ذاته.


لماذا نحب الجهل أحياناً؟

ربما لأن الجهل، في لحظاته القصيرة،
كان يشبه الطمأنينة.

كان هناك مجال للغفلة، للانغماس، للتبرير.
لكنك حين ترى، حتى لو أردت أن تُغلق عينيك…
الوعي يكون قد حدث.
وقد غيّرك.

يصعب أن "لا تعرف" ما عرفته.
ولذلك… نحاول أن:

  • نضحك أكثر من المعتاد،
  • نُبالغ في التفاصيل،
  • نتشتت، نتأخر، نختبئ…

في محاولات لا شعورية للهروب من الوضوح.
لكن الهروب لا يُطفئ النار،
هو فقط يؤجل مواجهتها.


الوعي جحيم… إن لم تمتلك أدوات التعامل معه

الوعي ليس هو المشكلة،
لكن امتلاك الوعي دون أدوات،
يشبه أن تُعطى خريطة كاملة… بدون القدرة على السير فيها.

الوعي يرى، يُحلّل، يُوقظ…
لكنه لا يُنقذ وحده.

أن ترى وحدك لا يحميك،
وأن تعرف، دون أن تتعلم كيف تتصرف،
قد يُبقيك عالقًا في المنتصف:
لا تعود كما كنت… ولا تتقدم كما تحتاج.


الرؤية لا تكفي…

هناك ما يجب أن تملكه لتعيش بما رأيت:

  • الحدود
  • الاختيار
  • المهارة في التراجع
  • المسافة التي تحميك
  • القدرة على ألا تختزل نفسك في ما رأيته، بل في ما تستطيع أن تبنيه بعده!

فالمشكلة ليست في أنك وعيت
بل أنك وعيت، ولم تجهّز نفسك لمرحلة ما بعد الوعي.

التعليقات

لا يوجد أي تعليقات لعرضها.

تسجيل الدخول

مقالات أخرى

لماذا يصعب علينا استقبال الحب؟

لماذا يصعب علينا استقبال الحب؟

لماذا يصعب علينا استقبال الحب؟ولماذا قد تثير الطيبة فينا القلق بدل الامتنان؟لا أحد يعلّمك كيف تستقبل الحب. الجميع يتحدث عن كيفية منحه، التعبير عنه، أو البحث عنه... لكن نادرًا ما يخبرك أحد أن الحب، حين

11/05/2025
ريما الملاحي
العلاقات بين التبادل والاستغلال: متى نمنح؟ ومتى نتوقف؟

العلاقات بين التبادل والاستغلال: متى نمنح؟ ومتى نتوقف؟

في عالم تتشابك فيه العلاقات الإنسانية — عاطفية، اجتماعية، مهنية — يصبح التمييز بين "التبادل الصحي" و"الاستغلال الصامت" ضرورة نفسية لا رفاهية.هذا المقال يسلط الضوء على أربع زوايا مهمة لفهم هذا الفرق ال

01/05/2025
ريما الملاحي
هذا لا يشبه الهروب… هذا يشبه النجاة

هذا لا يشبه الهروب… هذا يشبه النجاة

أن تختار نفسك، بهدوء…لطالما قيل لنا إن الحب يحتاج تضحية، وأن العلاقات تستحق المحاولة، وأن التعبير عن احتياجك علامة قوة…فنخوض علاقاتنا بنية طيبة، نحاول أن نكون واضحين، صادقين، محترمين لحدودنا وحدودهم.

12/04/2025
ريما الملاحي